مذكرات ملحد...

في سهرة صيفية قال ملحد لزوجته : أنت تعرفين عزيزتي أني بذلت جهودا مضنية في حياتي لمحاربة الدين ومحاولة مس مفاهيمه في أذهان الناس، ولا شك أن جهودي كانت استمرارا لجهود جبارة سابقة، كما ستكون مرتكزا لأناس سيحملون الرسالة من بعدي.
وإني أود أن أشكرك على وقوفك جانبي طوال تلك السنوات ، فبجهودنا معا أنقذنا الكثيرين من الإدمان على أفيون الشعوب.
أجابت الزوجة: لن تضيع جهودنا سدى، طالما أننا عملنا بإخلاص ، وبذلنا الجهد والعرق والمال في سبيل قضيتنا.
قال الزوج: إني لا أكتمك بأنني أشعر باقتراب أجلي ، فقصور الكليتين قد استحكم في جسمي، ولم يعد لي صبر على عمليات الغسيل الاصطناعية مرتين في الأسبوع.
وإنني أريد أن أوصيك وصية ، أرجو أن تنفذيها بعد موتي ، فأنا مسجل في القيود المدنية على أنني مسلم بحكم الإرث من أهلي ، وأكثر ما أخافه بعد موتي أن يهرول الأقارب والمعارف للصلاة على جنازتي كما هو مألوف في هذه البلاد ، ولا شك أن أتباعي سيرون في مثل هذا تناقضا بين مبادئي والصلاة علي. لذا فإن أتاك قريب يطلب أن تقام الصلاة عليَ في مسجد ما فارفضي الفكرة واذكري للجميع إنها وصيتي الأخيرة، وسأوثق كلامي هذا بوصية مكتوبة حتى لا يتمادى البعض في إزعاجك.
لقد عشت ملحدا منكرا لوجود الخالق والدار الآخرة، ولا أريد أن أخالف مبادئي حتى بعد موتي .
ومرت الأيام ، وفي إحدى الليالي وبينما كان الزوج نائما إلى جانب زوجته، فتح عينيه فجأة ليرى وجوها عابسة تشير إليه بأيديها أن ((هيا اقترب)). لم يستطع حراكا ، ولم يجد في نفسه قوة لإيقاظ زوجته.
صرخت الوجوه العابسة: لقد حانت ساعتك، وهذا هو أوان عودة الروح إلى بارئها .
قال في نفسه : ((ولكني لا أؤمن بما يقولون ، وأرفض ما يصنعون أو يدعون)). وما هي إلا لحظات حتى نزعت روح الجاحد من جسمه ، وصعدت لتقف في أحد جوانب الغرفة لتتأمل جسدا ملقى على ظهره فاغر الفم.
قالت الروح لنفسها: (( ما هذا ؟ إنه قفصي الذي خرجت منه لتوي، وهذه زوجتي التي تنام إلى جانب جسدي ، ولا تدري ماذا حدث لي .
كأنني أرى أنني كنت على ضلال ‘ فها هي ذا روح تخرج من جسد ، وها هي ذا ملائكة كنت أنكر وجودها ، ولاشك أن وراء ذلك كله الخالق الذي كنت أسمع عنه وأرفض وجوده .
استيقظي يا زوجتي من نومك ، وانظري ماذا حل بي .
لا أدري ما هي الطريقة التي سأوصل لك بها رسالة تخبرك أن كل جهادنا باطل مزيف ، وما عليك إلا أن تنقذي نفسك مما ورطت به حالي ونفسي)).استيقظت الزوجة واكتشفت الوفاة ، وحضر الأهل والأصحاب.
وبينما كان أحد الأقارب يكتب إعلان النعي طلب من زوجة المتوفى في أي مسجد ستكون الصلاة على الجثمان؟
سمعت روح الميت هذا السؤال من مكانها في سقف الغرفة فخاطبت نفسها(أرجو أن تنسى زوجتي وصيتي أن لايصلى علي ، فلعل الصلاة علي تخفف عني شيئا من العذاب الذي ينتظرني في جهنم.
الآن قد آمنت ، ولكن بعد فوات الأوان ، إذ أن أبواب التوبة قد أغلقت في وجهي منذ حين ، ولم يبق لي أمل سوى أن يصلي علي جمع من المسلمين يقولون:
اللهم اغفر له
اللهم ارحمه
اللهم تجاوز عن سيئاته)).
لكن الزوجة المخلصة لزوجها انبرت صائحة (لقد كانت وصية زوجي الأخيرة أن لا يصلى عليه ))، ثم أسرعت إلى غرفة المكتب لتأتي بالوصية المكتوبة مبرهنة على صدق أقوالها.
أدركت الروح أن الأمر قد انتهى ، وأن أبواب الرحمة قد سدت في وجهها.
حمل الجسد وألقي في حفرة من جهنم ، وعرض على الروح ما ينتظرها يوم الحساب ، فهي لم تكن ضالة فقط،بل كانت أيضا داعية إلى الضلال ، ولابد أنها ستحمل أوزار الكثيرين فوق أوزارها.
انضمت أرواح عصابة الشر والضلال إلى بعضها وخاطبت ربها قائلة:
(ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين – ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فجاءها الجواب: (قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) |سورة المؤمنون (106-108)
والسؤال : أهذا موت وموت الصالحين موت ؟
الصالح تتنزل عليه الملائكة عند دنو الأجل مبتسمة ضاحكة ، وتخاطبه ((لاتخف ولاتحزن ، وأبشر بالجنة عما قريب))
تسل الروح برفق من الجسد ، لتذهب محلقة إلى أجواء الجنان.
طوبى للمؤمنين الصالحين الذي يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله.
هل علمتم لماذا يختار كل منا موته باختياره لطريقة حياته ومبدئه وهدفه؟

” من همسات القلب وتجليات الروح”
د.سامر سقا أميني


منقول...............